~ الاستثمار المحلي ~مقالات

~ الاستثمار المحلي ~مقالات
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إذا أردت أن تختار مطعماً جيداً، تأكد من امتلاء مواقف السيارات أمامه، أو أن يكون هناك طابور طويل يصل إلى خارج الباب، وفق ما تقوله النصيحة التقليدية، كما ينطبق ذلك أيضاً على الاستثمار الحقيقي، ويكون المفهوم المؤكد للزخم طريقة جيدة لصنع المال بصورة دائمة، كما أن العثور على الأسهم المغرية التي يبحث عنها الجميع، ومن ثم تحقيق العوائد المالية المستمرة لفترة من الوقت وإن كانت قصيرة، يعد أيضاً استراتيجية ممتازة، ومن الحكمة بمكان أيضاً أن يقوم المستثمر بالاستفسار عن بعض الأمور من المواطنين المحليين، لأنه يكون بمقدورهم معرفة أفضل الأماكن، ويعتبر ذلك صحيحاً بالنسبة إلى الاستثمار في الدول أيضاً، لكن مع الأسف، لا تحظى هذه النصائح بالقبول على نطاق واسع.

«بريك»

وتعتقد أغلبية المستثمرين أن كتلة دول «بريك» التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين تعد وجهات مثالية للاستثمار.

ويوجد ما لا يقل عن 340 صندوقاً استثمارياً في هذه الدول، وتمارس أنشطة البيع في أسواق مختلفة حول العالم، ومع أن أسعار الأسهم في هذه الصناديق قد انخفضت بنسبة 15 بالمئة خلال الأشهر الستة الماضية، إلا أن الصناديق ذاتها على مدى عامين قبل شهر أبريل من العام 2011 قد ارتفعت بنسبة تزيد على 100 بالمئة، ومن المفترض أن يكون ذلك دلالة على النمو الهائل الذي تحققه الأسواق في الدول الناشئة إلى أن تتم مقارنة ذلك بالسوق الأمريكية التي شهدت ارتفاع الصناديق بنسبة 75 بالمئة.

ومع ذلك، فإنه عند النظر إلى الاضطرابات التي تحصل حالياً في أوروبا، ستبدو دول منظومة «بريك» وجهة جذابة للاستثمار على المدى الطويل، ويطرح الخبراء الاقتصاديون والمحللون أسباباً جيدة أخرى، ومن المؤكد أيضاً أن أزمة الديون السيادية الأوروبية تعتبر أسباباً جيدة تدل على نحو قاطع أن الدول المتقدمة ترزح تحت جبال هائلة من الديون.

وهناك سبب آخر يتمثل في أن الدول المتقدمة قد تقدم بها العمر ووصلت إلى مرحلة الشيخوخة، كما يوجد فيها عدد كبير من المتقاعدين مقابل كل شخص في سوق العمل، أما السبب الثالث فهو أن العالم المتقدم يعاني من ندرة الموارد الطبيعية، وتعتبر هذه الأسباب جميعها مقنعة إلى حد كبير، فضلاً عن كونها تفتقر إلى أهم مكونات النمو الاقتصادي، وقد لا يكون من الأهمية بمكان أن يعتقد الخبراء الاقتصاديون بذلك، وحتى تكون التوقعات دقيقة، ينبغي على الناس المحليين أن يعتقدوا بها يقيناً، لكن ما يحدث على أرض الواقع أن المواطنين في روسيا والصين ليسوا كذلك.

الهجرة

وفي روسيا، نجد أن الكثيرين من الناس هناك يرغبون في الخروج من بلادهم، واستناداً إلى استطلاع أجري مؤخراً، تبين أن أعداد المواطنين، وغالباً الشباب في مقتبل العمر، ممن يفكرون في الخروج من البلد قد ارتفعت إلى 44 بالمئة، وكان القراء المثقفون جيداً لصحيفة «نافايا غازيت» الشهيرة المشهورة بتغطيتها الواسعة، أكثر إصراراً على مغادرة البلد، وأعرب 62 بالمئة من هؤلاء عن تلك الرغبة، ولأسباب معروفة جيداً، يستغرق الأمر من الأسرة لشراء شقة فترة تتراوح من عام إلى 10 أعوام، كما يحتاج الشخص إلى 5 سنوات لتوفير المبلغ المناسب لشراء سيارة، ولا توجد الكثير من الفرص أمام الناس هناك للحصول على الترقيات في سوق العمل.

ويكون من الصعب للغاية بالنسبة إلى الكثيرين لامتلاك أنشطة تجارية خاصة بهم، في حين تصل نسبة الفائدة على القروض إلى 20 أو 30 بالمئة سنوياً.

وهاجر ما يقرب من نصف مليون مواطن روسي إلى الصين، وتشتمل هذه المجموعة على رجال أعمال وطلاب وحتى المتقاعدين.

ولم يقتصر موضوع الخروج من البلاد على الشباب، وإنما طال الكثيرين من الأفراد من الطبقة الغنية، وشهدت أسعار الوحدات العقارية الراقية في لندن زيادة في شهر سبتمبر الماضي بنسبة 4.5 بالمئة، مقارنة بالذروة التي كانت قد وصلت إليها في شهر مارس 2008، وذلك بسبب إقبال الروس الأثرياء على الشراء في العاصمة البريطانية، وتكنز بنوك كيبريوت أموالاً طائلة من الروس الذين استثمروا في الديون اليونانية، ويسبب ضخامة هذه المبالغ، تقوم موسكو بالتفاوض مع الحكومة القبرصية لإمدادها بقرض تصل قيمته إلى 2.5 مليار يورو لمساعدتها على إنقاذ نظامها المصرفي.

الفساد

ولم يكن الروس الوحيدين الذين تضرروا من أزمة الديون السياسية في أوروبا، فهناك الصينيون أيضاً بعد قيامهم بإخراج أموالهم من موطنهم، واستناداً إلى ما يقوله خبير عقاري في مجال العقارات العالمية باهظة الكلفة، «إن الدافع الأساسي للمشترين الصينيين هو تصدير الثروة من بلدهم، إنهم يفضلون شراء العقارات الفخمة لأنهم يستطيعون من خلال ذلك تحويل مبالغ مالية كبيرة»، وظهر من خلال استطلاع أجراه «بنك أوف تشاينا» أن 60 بالمئة من المواطنين الصينيين الأثرياء، ممن تزيد ثروة الواحد منهم على مليون دولار، قد باشروا بإجراءات الهجرة، أو أنهم يفكرون بذلك، وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء لا يمكنهم تحمل ممارسات الفساد من جانب المسؤولين، وتشير الإحصاءات أنهم قاموا بتصدير مبالغ هائلة من الأموال تصل إلى 123 مليار دولار خلال السنوات 10 الأخيرة.

إن السبب الذي يقود إلى مثل هذه الظروف المأساوية بسيط للغاية، ألا وهو الحوكمة السيئة، وتعاني الصين من استشراء الفساد الذي ينخر في أوصال المؤسسات، كما أنه يطال كل جزء في المجتمع، وتظهر في هذا البلد من حين إلى آخر مشاكل تسمم الطعام، وينبغي على المواطنين تقديم الرشوة في كل تعاملاتهم، وحتى إلى الأطباء كي يتمكنوا من الحصول على العلاج الجيد، وحسب ما تقوله إحدى الأمهات، «إن 9 من بين كل 10 أمهات يعربن عن معاناتهن من ضرورة تقديم الرشوة لمدرسي أطفالهن، والمدارس حتى يحصل هؤلاء الأطفال على التعليم الأفضل أو المناسب»، إن المشكلة الحقيقية هنا تتمثل في انعدام نظم حماية الحقوق للبشر والممتلكات على حد سواء، ولا تحظى الثروات ولا الممتلكات في الصين بالحماية والأمن، بل يمكن أن تتعرض للمصادرة في أي وقت.

قادة فاسدون

ويمتلك قادة الصين وروسيا خدمات أمنية قوية، فهم بالعادة يتجسسون على جميع مناحي حياة المواطنين، ويفترض المرء بناءً على ذلك أنهم يمتلكون كافة السبل التي تساعدهم على تقويض مصادر الفساد، ولكن ذلك لا يحدث، لأنهم لو فعلوا ذلك سيلقون القبض على أنفسهم.

إن الحقيقة التي لم يفهمها هؤلاء القادة وخبراء الاقتصاد الغربيون والمستثمرون والمحللون في الصحف، التكلفة الاقتصادية المترتبة على هذه الممارسات، فإذا كانت نخبة المواطنين في بلد ما ستغادره بحثاً عن الهجرة في دول أخرى، فإنهم سيأخذون معهم أموالهم وخبراتهم الضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي في البلد الأم، ومن العوامل المهمة للنشاط الاستثماري، يكون من الضروري إدراك حقيقة أن أي بلد يعاني من سوء أنظمة الحماية أو عدم وجودها، سيضطر المواطنون إلى الخروج منه، كما تنعدم السبل أمام الأجانب للاستقرار والاستثمار والعمل فيه.